العـنـف يمثل العنف ضد المرأة قضية عالمية واسعة الانتشار تتخطى الحدود الثقافية والجغرافية والانتماء العرقى والطبقة الاجتماعية والدين .
فعلى الرغم من مظاهر الإنصاف للمرأة خاصة من خلال التشريعات والدساتير التى أقرت المساواة بين الرجل والمرأة ، وحقوق المرأة الاجتماعية والسياسية والثقافية إلا ان المرأة مازالت تتعرض للعنف فى أوقات الحرب والسلم ، فالحروب كأحد مظاهر العنف تشكل خطراً وتهديداً للأمن الانسانى للمرأة حيث يستخدم العنف فى الحروب كوسيلة لانتزاع المعلومات أو لإذلال النساء وترويعهن وكثيراً ما ًُينظَر إلى الاغتصاب كمكافأة للجنود أو لتأكيد الغلبة على العدو كما تتعرض النساء فى الحروب للإخصاب القسرى والأمومة القسرية والإجهاض القسرى ، فاغتصاب النساء فى النزاعات المسلحة لا ُيرتكب كمجرد عنف ضد المرأة وانما كعمل عدوانى ضد شعب أو مجتمع .
كما أن النساء يواجهن تهديداً لأمنهن ويتعرضن للعنف فى حياتهن الخاصة أو العامة أثناء السلم أيضاً ، فالمرأة تتعرض للعنف البدنى والجنسى والنفسى داخل الأسرة بما فى ذلك الضرب والاعتداء الجنسى على أطفالها من الإناث، والعنف المتصل بالقهر ، واغتصاب الزوجة ، وختان الإناث والزواج المبكر وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة مثل تفضيل الأولاد الذكور على الإناث ، وسوء التغذية وعدم تلقى الخدمات الصحية بشكل ملائم وانخفاض المستوى التعليمى وتعرض الفتيات للاغتصاب الجماعى فى المناطق التى ينتشر فيها فيروس نقص المناعة لاعتقاد الرجال بأن ممارسة الجنس مع الفتيات الصغيرات يشفيهن من المرض .
وتشير الدراسات إلى أن العنف ضد المرأة منتشر فى المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء ، كما أن عدداً كبيراً من الثقافات تنقل العنف ضد المرأة وتساهم فى استمراره بالحصانة التى يتمتع بها مرتكبو العنف من عدم توقيع العقاب القانونى عليهم خاصة عندم ا يقع العنف ضد المرأة فى الأسرة أو فى المؤسسات التى يعترض فيها ان تقدم الحماية للمرأة .
كما تشير المعلومات التى جمعها المكتب الإحصائى للأمم المتحدة أن امرأة واحدة من بين كل أربع نساء فى البلدان الصناعية قد تعرضت للضرب من قبل شريك حياتها ، كما تشير الإحصائيات إلى أن نسبة التعرض للاغتصاب متقاربة جداً فى كل البلدان الصناعية والبلدان النامية ، ويرتبط الانتحار بأشكال العنف ضد المرأة إذ تبين احصاءات البنك الدولى أن النساء اللاتى يتعرضن للضرب ينتحرن بنسبة تفوق غيرهن ، وتبين إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن الإناث فى معظم البلدان النامية تقاسين من سوء التغذية بنسب أعلى من الذكور ، كما أنهن يتلقين الخدمات الصحية بنسب أقل من الذكور ، كما أن فترات الرضاعة الطبيعية بالنسبة للإناث تكون أقصر منها بالنسبة للذكور مما يعرضهن لسوء التغذية .
وأظهرت بعثة السوق الأوروبية لتقصى الحقائق أن أكثر من 20.000 امرأة مسلمة تعرضن للاغتصاب فى البوسنة منذ اندلاع القتال فى أبريل 1992 ، ويقدر عدد وفيات النساء بسبب حوادث كان يمكن تجنبها تتعلق بتنظيم النسل أو مضاعفات الحمل والولادة بعدد (1370) حالة يومياً .
كما يبلغ عدد الفتيات اللاتى يخضعن لختان الاناث فى المناطق الشرقية والغربية من أفريقيا بين 114.85.
وفى مصر أظهرت دراسة حديثة أن العنف ضد المرأة سلوك منتشر فى البيئات الحضرية والريفية على السواء ، وفى المستويات التعليمية والاقتصادية المختلفة ، وأن 35% من عينة الزوجات الاّتى أُجريت عليهن الدراسة قد ُضربن من أزواجهن ، وأن الزوج هو أكثر الأشخاص فى ممارسة العنف ضد المرأة ، يليه الأب 42.6% ثم الأخ (رمزى سلطان 1999) .
الاهتمام العالمى بقضية العنف ضد المرأة :
· كانت الحروب وبشاعة معاناة المرأة فيها هى الدافع لبدء الاهتمام العالمى بمعالجة العنف ضد المرأة منذ منتصف القرن التاسع عشر كرد فعل لأهوال الحروب و إبادة الاجناس والرق والاتجار بالنساء والأطفال (الدعارة) وأسفرت الجهود الدولية عن صدور اتفاقيات جنيف الأربعة 1949 الخاصة بمساعدة الأسرى والجرحى والمدنيين .
· وبالإضافة إلى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة " اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة " 1979 .
· أصدرت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة عدة توصيات موجهة الى الدول الأطراف تحثها على التحرك من أجل حماية المرأة من العنف بكل أشكاله فى اطار الأسرة وفى العمل ، وفى أى ميدان آخر من ميادين الحياة الاجتماعية .
· كما أكد الإعلان الصادر عن مؤتمر فيينا العالمى لحقوق الانسان 1993 على مكافحة العنف القائم على أساس الجنس وكافة أشكال التحرش الجنسى والاستغلال .
· وفى ديسمبر 1993 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة (الإعلان العالمى للقضاء على العنف ض د المرأة) حيث عرفت المادة الأولى فى الاعلان العنف ضد المرأة على انه [أى فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما فى ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفى من الحرية سواء حدث ذلك فى الحياة العامة أو الخاصة ] .
ومن أمثال العنف ضد المرأة طبقاً لهذا التعريف :
أ- العنف البدني والجنسي والنفسي الذى يحدث فى إطار الأسرة كالتعدى الجنسى على أطفال الأسرة من الإناث واغتصاب الزوجة وختان الاناث وغيره .
ب- العنف البدني والجنسي والنفسي الذى يحدث فى إطار المجتمع مثل الاغتصاب والمضايقة الجنسية والتخويف فى مكان العمل ، والاتجار بالنساء واجبارهن على البغاء.
ج- العنف البدني والجنسي والنفسي الذى ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه أينما وقع .
· وأدان اعلان مدريد 1995 جميع أنواع العنف ضد النساء ، وأكد على ضرورة بناء قيم وسلوك يمكن أن يؤدي الى منع العنف الجنسي ، وعلى ضرورة توفير الحماية للضحايا واعتبار العنف المنزلى ضد المرأة قضية عامة . · وخصص مؤتمر بكين 1995 جزءاً من أعماله لمناقشة مشكلة العنف ضد المرأة وطالب المنظمات النسائية حول العالم بجعل مكافحة العنف من أولويات نشاطها .
·كما وضعت منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان قضية مكافحة العنف ضد المرأة على قائمة أولويات برامجها الصحية .
· وفى عام 1995 عُرض على الجمعية العامة للأمم المتحدة بروتوكول خاص يمنح النساء الحق فى تقديم شكاوي فردية إلى اللجنة المعنية بالقضاء على العنف ضد المرأة .
·كما أكد مؤتمر بكين الذى عُقد فى نيويورك 2000 على ضرورة دعم الأنشطة التى تهدف للقضاء على كافة ممارسات العنف ضد الفتيات والنساء ، وعلى شن حملة دولية نسائية تندد بالعنف ضد المرأة .
نشاط الحركات النسائية العالمية لمواجهة العنف ضد المرأة :
دفعت بشاعة وكثرة حوادث العنف التى ترتكب ضد المرأة الحركة النسائية العالمية خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى إلى تكثيف جهودها لدفع هذه المشكلة ودراستها على مستوى المؤتمرات الدولية التى تعقدها الأمم المتحدة بدءاً من مؤتمر المكسيك 1975 – وكوبنهاجن 1980 ونيروبى كينيا 1985 .
· نُظمت مسيرة عالمية للنساء سنة 2000 وشارك فيها النساء من 146 دولة وكان شعارها (القضاء على الفقر ومكافحة العنف ضد المرأة) .
·فى عام 2000 عقد مؤتمر عالمي فى فالسيا – أسبانيا وشاركت فيه 1300 سيدة من 110 دولة لتأسيس شبكة دولية للضغط على الحكومات لمكافحة العنف ضد النساء بدءاً من العنف المنزلى ووصولاً إلى العنف أثناء النزاعات المسلحة .
< P align=right>· وبدأت منظمة العفو الدولية فى مارس 2004 حملة عالمية تحت شعار " أوقفوا العنف ضد المرأة " . وتهدف الحملة إلى حشد دعاة حقوق الانسان فى عمل منظم للتصدى لأشكال العنف ضد المرأة ، كما حددت الحملة العلاقة بين العنف ضد المرأة وبين الفقر وتفشي النزعة العسكرية ، فضلاً عن العنف ضد المرأة المستخدم كسلاح حرب فى أوقات النزاعات المسلحة .
وأسفر الحراك الدولى لمكافحة العنف ضد المرأة عن تنظيم الحكومات والمنظمات غير الحكومية لأنشطة للتوعية بهذه القضية ، والعمل على تعديل الاتجاهات الاجتماعية التى تتقبل العنف وتسانده ، وتقديم الاستشارات القانونية لضحايا العنف وفتح مراكز إيواء لهن ولأطفالهن .